يكتب أور كورن أن مشاريع التكيّف المناخي في جنوب السودان لا تخلو من المخاطر، إذ قد تُشعل الصراعات إذا لم تُصمَّم بحذر، خاصة في بلد أنهكته الحرب ويفتقر إلى الأمن.
تشير منصة ذا كونفرزيشن إلى أن جنوب السودان يعاني من هشاشة مضاعفة بفعل النزاعات والكوارث المناخية، مثل الفيضانات المتكررة والجفاف الحاد، مما يجعل تصميم برامج المناخ فيه يتطلب مراعاة دقيقة للسياق الأمني والاجتماعي.
منذ الاستقلال عام 2011، شهدت البلاد حربًا أهلية طويلة وما تزال تعاني من اضطرابات واسعة، مع نزوح أكثر من 2.3 مليون شخص. في الوقت ذاته، تواجه البلاد موجات جفاف قاسية وفيضانات مدمرة تؤدي إلى تراجع الإنتاج الزراعي وتفاقم انعدام الأمن الغذائي. هذه الصدمات المناخية تؤجج التوترات على الموارد وتُضعف الروابط بين المجتمعات، ما يسمح للجماعات المسلحة غير النظامية بتوسيع نفوذها.
استجابت وكالات حكومية ومنظمات دولية لهذا الواقع عبر مشاريع تكيّف مناخي وأمن غذائي تتجاوز الإغاثة الطارئة. شملت هذه المبادرات زراعة محاصيل مقاومة للجفاف، وحصاد مياه الأمطار، وتوزيع الثروة الحيوانية، وتدريب المجتمعات على الزراعة الذكية مناخيًا. واهتمت بعض الجهات ببناء قدرة المجتمعات على المدى الطويل، فيما ركزت أخرى على الدعم الطارئ. بعض المنظمات اعتمد مقاربات يقودها المجتمع المحلي لتقوية الأمن الغذائي والتكيّف المناخي.
لكن انتشار السلاح وغياب الدولة أدى إلى مشهد أمني معقد. تنشط جماعات مسلحة موروثة من الحرب الأهلية، ويحدث صراع بين مزارعين ورعاة أو بين جماعات إثنية. هذه الانقسامات تجعل حتى البرامج ذات النوايا الحسنة محفوفة بالخطر، إذ قد تغيّر موازين القوى المحلية وتؤدي إلى تصعيد الصراع.
جمع الباحثون بيانات دقيقة عن مواقع تنفيذ مشاريع المناخ والأمن الغذائي، ونوع المساعدة المقدَّمة، ومدى مشاركة المجتمعات فيها. أظهرت النتائج أن هذه المشاريع قد تساهم في الحد من العنف، لكنها قد تؤدي أيضًا إلى زيادته، حسب تصميمها وتوقيت تنفيذها.
رافقت بعض البرامج الزراعية في مناطق النزاع زيادة في المواجهات بين القوات الحكومية والمتمردين، ليس بسبب الزراعة بحد ذاتها، بل لأن تحسين إنتاج الأرض يزيد من قيمتها، ما يجذب اهتمام الفصائل المسلحة الساعية إلى السيطرة على الموارد. في بيئة مسلّحة، يصبح كل تحسين اقتصادي هدفًا محتملاً للصراع.
في المقابل، ساعدت بعض المشاريع التي جمعت بين تحسين الإنتاج الزراعي والتنمية الاقتصادية على تقليل العنف بين الجماعات المحلية والميليشيات. هذه المبادرات منحت المجتمعات أدوات بديلة عن العنف لمواجهة الصعوبات، وساعدت في تقليص التوترات حول الموارد.
أثبتت الدراسات أن البرامج المبنية على احتياجات السكان المحليين تكون أكثر فعالية في الأوقات التي تشتد فيها الصدمات المناخية، مثل الفيضانات أو الجفاف. وقتها، حتى البرامج غير المثالية تقلل من العنف عبر تثبيت سبل العيش وتخفيف التوتر. أما في الفترات التي يسود فيها الطقس المعتدل، فتنخفض فاعلية هذه البرامج أو تتلاشى.
أشارت النتائج أيضًا إلى افتقار بعض الجهات المانحة لفهم تعقيدات العمل في بيئات متأثرة بالنزاع. أوصت الدراسة باعتبار مشاريع التكيّف عمليات اجتماعية وسياسية وبيئية معقدة، لا حلولًا تقنية بحتة، وضرورة مواءمتها مع الواقع المحلي.
ولتجنّب تفاقم العنف وتعزيز الاستقرار، خلصت الدراسة إلى أهمية دعم مشاريع شاملة تعالج المناخ والغذاء والتنمية معًا، وتنفيذها أثناء فترات الأزمات المناخية لا بعدها، وربطها بإصلاحات سياسية واقتصادية مثل ضمان حقوق الأراضي وتوفير بدائل للأنشطة التقليدية التي أصبحت غير ممكنة، إلى جانب تطوير أنظمة إنذار مبكر للكشف عن التوترات قبل تفجّرها. ورغم تركيز الدراسة على جنوب السودان، إلا أن نتائجها يمكن أن تفيد دولًا أخرى في القارة مثل أوغندا، إثيوبيا، ونيجيريا، حيث يتقاطع تغيّر المناخ مع الهشاشة الأمنية.
https://theconversation.com/climate-projects-in-south-sudan-can-turn-deadly-how-to-avoid-this-261626